التنمية الذاتية|هل التنمية الذاتية وهم ؟
في بادئ الأمر عينا ان نتفق عزيزي القارئ ، بأن مصطلح التنمية البشرية هذا ليس صحيحاً برغم أنه الأكثر انتشاراً و الذي عرف بين الناس خاصة في المنطقة العربية على يد الدكتور الفقي و عدد كبير من الرواد العرب منذ مطلع العام الفين .
اذاً نحن نتحدث و نقرأ و نستمع لمحاضرات في موضوعات كثيرة تندرج تحت مفهوم عرفناه خطأ بأنه “التنمية البشرية” و لكنه في حقيقته الصحيحة هو “التنمية الذاتية “.
هل هي مشكلة مسميات ؟
أكيد المشكلة لا تنحصر في مجرد أنها مسميات ، لكن الأمر وراؤه قصة قصيرة دعني اذكرها لك ، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عرفت اغلب دول العالم الخطأ الجسيم الذي اوقعوا أنفسهم فيه ، حيث سأل أصحاب القرار خاصة في دول أوروبا و اليابان و أمريكا و الذين كانوا يحاربون بعضهم البعض عن السؤال التالي : ماذا فعلنا بأنفسنا و ببلادنا ، حيث أنه لا توجد دولة من هذه الدول لم يصبها الدمار بل أنه توجد العديد من الدول أصبحت مدنها أنقاضاً.
لذلك تم الاتفاق على انشاء هيئة الأمم المتحدة بما فيها من هيئات فرعية تهتم بالعديد من الجوانب الهامة للبشرية مثل الثقافة و التعليم و محاربة الفقر و الجوع و الاهتمام بالصحة العالمية اضافة الى حل النزاعات السياسية بين الدول .
لذلك تم الاتفاق على أن يصدر تقرير سنوي يسمى ” تقرير التنمية البشرية” يحتوى على مدى التطور في كل المجالات الذي ذكرتها و غيرها من المجالات التي تهم البشرية و حياة الشعوب و رقيهم و رفاهيتهم لكل دولة على حدى .
و من هنا اختار متحدثي التنمية الذاتية الأوائل مصطلح التنمية البشرية المستخدم في الأمم المتحدي لكي يضفوا نوع من الشرعية على ما يقدمونه من محتوى .
لكنها ليست “تنمية بشرية”
انظر الى ما يقال في كل ما يسمى خطأ كما اسلفت “بالتنمية البشرية ” ستجد أنها تتحدث و تهتم بفرد و ليس لمجموعة من الافراد ، انها موجهة لي و لك و له و لها ، لذلك فهي موجهة للذات و ليس لكل البشر ، لذلك اذا كنت تريد أن تطوّر من ذاتك و تنميها و تصبح افضل ، فعليك أن تستمع و تقرأ و تشاهد لما يقال فيها و ستعرف أن كل كلمة كتبت فيها أو قيلت ستجدها موجهة لك انت و ليس لمجموعة من البشر ، لذلك فهي “تنمية ذاتية ” و “تطوير ذات” و ليست بشرية و لا علاقة لها بتقرير التنمية البشرية هذا الصادر عن هيئة الأمم المتحدة .
هل هي علم ؟
التنمية البشرية ليست علماً ، نعم أنا اعترف بهذا ، و اقوله بكل اريحية ، و لست خجلاً من قوله و أردده كثيراً ، بل أن من يهاجمون التنمية الذاتية دائماً ما يذكرون في أول حديثهم أن التنمية الذاتية ليست علم و لا تدرّس في الجامعات ، و انا أوافقهم على قولهم ، نعم ، التنمية البشرية ليست علم و لا تدرس في الجامعات و لا يوجد قسم أو تخصص في أي جامة يسمى التنمية البشرية .
بالفعل هذا حقيقي و لكن هل هذا يعيب التنمية الذاتية في شئ ؟
هل موضوعاتها تحض على أي معان سيئة ؟
هل الالتزام بما يقال فيها سيؤدي الى مشاكل صحية أو نفسية أو اجتماعية أو مادية للإنسان ؟
العكس هو الصحيح
و لماذا يهاجمون التنمية الذاتية ؟
ربما تتعجب عندما أخبرك أنني اعطي الكثير من الأعذار لمن ياهجمون التنمية الذاتية و ينتقدونها ، ذلك لأن هناك من يقدمونها تسببوا في هذا اللغط و هذا الهجوم .
هناك بعض ممن يقدمون موضوعات “التنمية الذاتية و يطرحونها يرون بأنها “مناهج لقيطة” ليست لها شرعية و لا يوجد هناك من يظهر لهم في الأفق و يمنعهم عن المبالغة أو التحدث عن موضوعاتها بشكل من المبالغة لأن هذا حدث فعلاً ، فهناك من قدموا التنمية الذاتية على انها حلول سحرية لكثير من المشكلات النفسية و الصحية التي يعاني منها الناس و لا يجدون حلاً ناجعاً لها.
فهم يوعدونك بأن يمنحوك طاقة تهد الجبال خاصة و أن هذه الطاقة تتواجد داخلك فهم لن يحضروها من الخارج ، لكنها كامنه و تحتاج لهم لإخراجها ، و يوعدونك بانك يمكن أن تكون غنياً بمجرد ترديد كلمة أنا غني ، أنا غني ، حتى يقتنع عقلك الباطن بانك غني فيبدأ بالعمل على جعلك غنياً ، بل أنه في أحد الكتب الشهيرة التي تتحدث عن التنمية الذاتية و هو كتاب “قوة عقلك الباطن” لكاتبه “جوزيف ميرفي ” و برغم أهميته البالغة إلا أنه يحتوى على فقرات ، البعض يراها عندما يقرأها لأول مرة أنها بعيدة كل البعد عن أدنى مستويات المنطق مثل فقرة استخدام العقل الباطن في علاج الأمراض و التي يقول فيها أنه عليك أن تقنع نفسك بانك لست مريضاً و اطرد من رأسك أفكار المرض و هنا سيعمل عقلك الباطن شيئاً فشيئاً حتى يعالجك من آلامك .
أنا مع المآخذ التي يتخذها من يهاجمون التنمية الذاتية بأنها أدلة على أن التنمية الذاتية هي وهم ، ليس منه فائدة لكني لست معهم في حكمهم النهائي هذا و ليس بسبب بعض من كتبوا أو بالغوا في الحديث أو من يبيعون الوهم تحت مسماها نهدرها بالكامل و نصفها بانها وهماً .
عندما احدثك عن هذه الأشياء ، هل أبيع لك الوهم ؟
عندما احدثك عن النجاح و كيفيته و أقدم لك قصصاً من تجارب الناجحين و ماذا فعلوا لكي يصلوا الى ما وصلوا اليه من نجاح و أرشدك الى الطرق التي يمكنك اتباعها لتصل الى مستويات مشابهة لنجاحهم ، فهل أنا ابيع لك الوهم ؟ .
عندما اشعل قوة الإرادة في داخلك و احفزك على أن تنهض من ثباتك و تدعك من تأجيل القيام بمهامك المهمة و أرشدك الى أن الحركة أفضل من الراحة الدائمة فهل أنا ابيع لك الوهم ؟
عندما ابلغك بان عليك أن تكون لك رؤيا لحياتك و أهداف عليك تحقيقها ، هل ابيع لك الوهم ؟
عندما اخبرك بان تخطيط حياتك و تنظيمها أمور ستضيف الكثير من شأنك و سترفع من جودة حياتك ، فهل ايضاً ابيع لك الوهم ؟
اعتقد بأن هذه الموضوعات و غيرها الكثير من الموضوعات النافعة في التنمية الذاتية هي دليل على أنها ليست وهماً و انها موضوعاتها نافعة بل و ضرورية .
ما كانش حد غلب
هناك مثل عامي باللهجة المصرية يقول “مكانش حد غلب” هذا المثل يقال على من يقدم أحد حلولاً بسيطة لمشكلات معقدة و يدعي بان هذه الحلول هي حلول نافعة و الأمر يشبة ازرار لوحة مفاتيح جهاز الكمبيوتر ، فهذا زر للمسح و هذا زر آخر للتراجع عن الكتابة او القيام بمهام .
الحقيقة بان هذا المثل ينطبق على عدد ممن يتحدثون في التنمية الذاتية بمبالغة ، فعندما تسمع أحدهم يقول: “صدقوني، يمكنكم أن تحققوا أي شيء تريدونه. كل شيء ممكن إذا اعتقدت أنك تستطيع تحقيقه. نعم، يمكننا!”.
بالتاكيد ستقول ان من يقول هذا الهراء لا يريد إلا ان “يضحك” عليّ بكلمتين يحفزني بهما ليجني مني بعض المال ثم يرحل الى حال سبيله .
نعم ، يتردد صدى هذه الكلمات في آلاف قاعات المؤتمرات حول العالم، على ألسنة مدربي التنمية البشرية، ورغم ذلك يزداد علماء النفس تشككاً في صدقها.
فكما يحذر عالم النفس توماس لانجنز، فإن الأهداف الإيجابية الوهمية، يمكنها أن تقوض أو تضعف الحافز الحقيقي على النجاح. و ان المبالغة في تقدير حجم الإمكانيات الداخلية لدى الإنسان يمكنها أن تصيبه بالأحباط.
إن حديث المبالغين من متحدثي التنمية البشرية للناس عن النجاح الموعود جعلهم يستمتعون بالمستقبل المنتظر، قبل أن يصبح حقيقة،ليقفوا عند هذه الخطوة فقط ، كما ان كلماتهم هذه جعلت المتلقين لكلامهم يحصلون على رضىً وهمي وشبع نفسي، منعهم من التقدم بخطوات كافية لتحقيق هذا المستقبل. وكما يقول عالم النفس الاجتماعي الأسترالي جوزف فورجاس، فإن الأفكار السلبية ليست بالضرورة شيئاً سيئاً، علينا استثمار نقاط قوتها، فالمشاعر السلبية غالباً تعزز نمط التفكير وتجعل الشخص أكثر انتباهاً وقابلية للتكيف.
اذاً التنمية الذاتية ليست وهما و لكن
ساخبرك على طريقة سهلة جداً تستطيع أن تميز بها ما ينفعك و ما يوهمك في التنمية البشرية ، الموضوع بكل بساطة ينحصر بان ماله نفع على الأرض من كل موضوعات التنمية البشرية فهو أمر مهم و مفيد و عليك أن تهتم به .
أما جميع من يتحدثون بأسم التنمية الذاتية و يخبرونك عن موضوعات التي توعدك باشياء غير ملموسة أو مستحيلة و غير منطقية لعلاجك آلامك النفسية أو الجسدية أو الوصول الى نجاحاتك بلا مجهود أو الثراء السريع أو فعل المستحيل و أنت جالس على الأريكة، فعليك أن تبتعد عن هؤلاء فوراً و لا تعيرلهذه الموضوعات أهتماماً.
و عندما اقول لك أن الكلام المهم و المتعمق في التنمية الذاتية لا يقال إلا في داخل المحاضرات أو في القاعات التدريبية المغلقة فتاكد أني أقدم لك الوهم و لا أهتم إلا بجني المال منك فقط .
فمن يريد أن يفيد الناس و يساعدهم بمعلومات نافعة و حقيقية عليه أن يبوح بها للجميع على الملأ و أن لا يقتصر معرفته في الغرف المغلقة.
اذا بهذه الطريقة تستطيع أن تستفيد بما يطرح من موضوعات في التنمية البشرية و التي اتفقنا على أن اسمها الصحيح “التنمية الذاتية” وتكون أداة فعالة في حياتك لتحقيق الكثير من النفع لك و لحياتك.
و اعلم عزيزي القارئ أن المبالغات و الأوهام و الوعود التي يطلقها بعض من يتحدثون في التنمية البشرية أنك تستطيع أن تفعل المعجزات و انت جالس في مكانك أمر يحدث في أغلب التخصصات و العلوم فبالتأكيد سمعت أحاديث كثيرة لأطباء يقولون أن محلول المياة و الليمون قادر على علاج السرطان و أن هناك نظم غذائية و أعشاب معينة قادرة على تحفيز البنكرياس و انتاج الأنسولين و هناك بعض من يطلقون على انفسهم معالجين عظام و متخصصين في العلاج الطبيعي يقومون “بطقطقة” عظام الناس من مرضى العظام و الذين يشكون من آلام المفاصل و يتعاملون معهم أنهم “سمكرية” سيارات.
إن المبالغات و الوعود في أي كلام يقال يعطي الأمل عند فاقديه ، و الكلام الصححي و المفيد في التنمية الذاتية هو الكلام العملي القابل للتطبيق على أرض الواقع ، و هذا ما عليك اتباعه ، عليك التركيز على كل ما يقال عن تطوير الذات و بعث الأمل و التغيير الإيجابي و طرق انماط التفكير الايجابية و تنمية العلاقات الإجتماعية و لا تنس أن ادارة الذات هي أحد فروع علم الإدارة و أن التنمية الذاتية تستمد عدد كبير من موضوعاتها من علم النفس ، لذلك ، لا تهدر فوائدها و استفد بها و لا تطلق العنان الكامل لكل من يصفونها بالوهم.